مقابلات ومقالات

  • شارك:

الدور الاجتماعي والاقتصادي للبنوك 


جمعية البنوك اليمنية - صنعاء     بتاريخ: 2025/07/22

 

- تلعب البنوك دورا مهما في تعزيز إنتاجية الأسر وبناء قدرتها على الصمود الاقتصادي وتعزيز المنتجات والصناعات الوطنية

- في إطار النهوض بمسؤوليتها الوطنية تعمل البنوك على تمويل العمليات التجارية داخلياً وخارجياً وضمان استمرار تدفق السلع والخدمات 

- في سياق تطور الدور الاجتماعي للبنوك عملت على تعزيز الالتزام بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) وتوفير خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية

صلاح الفائق *

لطالما شكّلت البنوك ركائز أساسية للأنظمة الاقتصادية ووسائل فعالة للتحول الاجتماعي. وقد تطوّر تأثيرها بشكل كبير عبر المراحل التاريخية، بدءًا من كونها وسيطا ماليا بدائيا حتى أصبحت مؤسسات معقدة تُسهم في تشكيل الاقتصاد العالمي وتعزيز الرفاه العام. يستعرض هذا البحث أدوار البنوك في أربع مراحل تاريخية رئيسية، مصنّفًا إسهاماتها الاجتماعية والاقتصادية من خلال أمثلة تاريخية ومعاصرة.

أولاً: التطور التاريخي لأدوار البنوك

أ- ما قبل منتصف القرن (العصر ما قبل الثورة الصناعية):
في هذه الحقبة، كانت البنوك تُعدّ حافظة للثروات الخاصة بالنخب، واقتصر دورها على تأمين الأموال، تقديم القروض البسيطة، وتيسير التجارة من خلال خطابات الاعتماد. وكانت هذه الأنشطة محدودة النطاق، وترتبط في الغالب بالمؤسسات الدينية أو الملكية، كما كان الحال مع بنك "آل ميديتشي" في عصر النهضة الأوروبية.

ب- عصر الثورة الصناعية:
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أصبحت البنوك محوراً لتمويل المشاريع الصناعية الضخمة. فقد جمّعت رؤوس الأموال لبناء السكك الحديدية، وإنشاء المصانع، ودعم التجارة الاستعمارية. كما ظهرت البنوك المركزية، مثل بنك انجلترا، التي أدّت دوراً حيوياً في إدارة السياسة النقدية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

ج- في القرن العشرين:
شهد هذا القرن تطور البنوك إلى مؤسسات مالية متكاملة. أسهمت في إعادة إعمار الاقتصاد بعد الحرب العالمية الثانية، وساعدت في توسيع نطاق الائتمان الاستهلاكي، وشاركت بفاعلية في النظام المالي العالمي. وقد شكّل نظام "بريتون وودز" وتأسيس مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي محطات مفصلية في هذا السياق.

د- الثورة الصناعية الرابعة (القرن الحادي والعشرون):
في عصر الرقمنة، تبنّت البنوك تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقنية البلوك تشين، والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول. أصبح دورها يشمل تعزيز الشمول المالي، وتحفيز الابتكار في التكنولوجيا المالية، وبناء شبكات اقتصادية عالمية مترابطة. كما تؤدي دوراً بارزاً في مكافحة الجرائم السيبرانية، ودعم التمويل الأخضر، وتشجيع ريادة الأعمال الرقمية.

ثانيًا: الدور الاجتماعي للبنوك

أ- تحسين الدخل:
وفرت البنوك أدوات مالية تساعد الأفراد على إدارة دخولهم من خلال الادخار، والاستثمار، والحصول على التسهيلات الائتمانية، ما يُمكّنهم من بناء الثروة وتخطيط المستقبل المالي. وفي هذا السياق أسهمت البنوك في تحسين الدخل من خلال توظيف الأموال في مشاريع وأنشطة تجارية وخلق الوظائف (كما سيرد لاحقاً).
وقد ساعدت مؤسسات التمويل الأصغر، في انتشال ملايين الأفراد من الفقر من خلال المساهمة في توفير فرص للتدريب والأنشطة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ب- تحسين أنماط الحياة:
عملت البنوك على تحسين أنماط الحياة حيث أتاحت الوصول إلى الخدمات البنكية للأفراد تحسين مستوى معيشتهم من خلال التمويل العقاري، والتعليم، والاستهلاك الترفيهي.كما أسهمت الرقمنة في توفير الخدمات وتحويل الأموال والشراء من المتاجر.
وفي سياق آخر عملت البنوك والمؤسسات المالية على تحسين وتغيير في نماذج الأعمال (Business Models)  للمؤسسات والشركات من خلال توفير طرق آمنة لعمليات طلب الخدمات والدفع باستخدام الوسائل الرقمية، وتعزيز التوجه في توظيف البيانات والذكاء الاصطناعي في حماية المستهلك وتحسين تجربة العميل.

ج- التوافق مع القيم المجتمعية:
في سياق تطور الدور الاجتماعي للبنوك عملت هذه المؤسسات لتعزيز الالتزام بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وتوفير خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتطوير أدوات مالية بعيدة عن الشبهات وتكريس مبدأ المشاركة في المخاطر والحد من الاستغلال والمقامرة وتركز المخاطر على فئة أو نشاط معين، وهو ما يُبرز مرونتها في التكيف مع القيم والثقافات المحلية.

د- تحسين تجربة العميل:
من خلال التطبيقات المصرفية والخدمات الإلكترونية المخصصة، أصبحت تجربة العملاء أكثر كفاءة وسهولة. على سبيل المثال، أسهمت التوجه الحالي نحو الاستدامة المالية إلى التركيز على التوسع في تقديم الخدمات والشمول المالي والشراكة كمفهوم للخدمات المصرفية في المناطق منخفضة الدخل.
كما عملت البنوك على ابتكار خدمات مالية للمغتربين في الخارج لتسهيل عملية تدفق الأموال للمستفيدين في الداخل في ظل الظروف الراهنة.

هـ- مكافحة التزوير وغسل الأموال:
في إطار المسؤولية الاجتماعية ومكافحة الاستغلال غير الشرعي للأموال قامت البنوك بتطوير آليات وتقنيات لمعرفة البيانات المتعلقة بالعملاء ومصادر الأموال"اعرف عميلك" (KYC) وإجراءات مكافحة غسل الأموال (AML) لحماية النظام المالي وتعزيز الثقة والشفافية في الاقتصاد الوطني والدولي.

و- خلق فرص العمل:
أسهم القطاع المصرفي في توفير وظائف مباشرة داخل البنوك، وأخرى غير مباشرة من خلال تمويل المشاريع والبنى التحتية التي تولّد وظائف جديدة في قطاعات متعددة، من خلال التمويل للمشاريع والأنشطة بمختلف مجالاتها ومستوياتها، وهو ما أسهم في تحسين أداء العجلة الاقتصادية ودوران الأموال.

ز- الشمول المالي:
سعيا لتحقيق الاستدامة المالية وبفضل الابتكار في الخدمات الرقمية والوكلاء الماليين، توسعت الخدمات المالية لتشمل المجتمعات غير المدمجة في النظام المالي، خاصةً في المناطق الريفية والمدن غير الرئيسية.

ح- دعم الأسر المنتجة:
من خلال المنتجات الموجهة وبرامج التمكين للعائلات مثل حسابات التوفير التعليمية، والتمويلات الصغيرة للنساء وأصحاب المهن، ساعدت البنوك في تعزيز إنتاجية الأسر وبناء قدرتها على الصمود الاقتصادي، وتعزيز المنتجات والصناعات الوطنية التي كادت أن تندثر بسبب العولمة والتركيز على الاستيراد.

ط- دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة:
شهد القطاع المصرفي في اليمن خاصة في العقد الأخير مساعي نحو الاستفادة من التجارب والحلول في الدول النامية وتكللت هذه الجهود بتوفير خطوط تمويل، وخدمات استشارية، وتدريبًا لرواد الأعمال والشركات الناشئة، مما دعم الديناميكية الاقتصادية، وذلك رغم الصعوبات المتعلقة بالوصول للمستهدفين وقلة الموارد. 

ي- الابتكار الرقمي:
رغم شحة الإمكانات والبنية التحتية للتكنولوجيا الرقمية، وبالرغم ما يتطلبه من استثمارات مالية ضخمة لتطوير للأنظمة وقواعد البيانات ، لوحظ مؤخراً حراك في القطاع المصرفي والمالي في اليمن نحو استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين خدمة العملاء، والأمن، وتحسين التفاعل مع العملاء، وهو ما انعكس في إقامة مؤتمرات وندوات وورش عمل حول أهمية المواكبة لاستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات في تحليل بيانات العملاء والدعم وظهور شركات ناشئة ورواد أعمال في مجال الخدمات الرقمية المالية وقد انعكس ذلك في أداء المؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء.

ك- الحد من الفقر:
وفّرت الشراكات مع المنظمات المحلية والدولية للبنوك فرصاً للوصول إلى التمويل والخدمات المالية المأمونة للأسر ذات الدخل المنخفض للاستثمار في الصحة والتعليم والمشاريع الصغيرة، كما أسهمت التحويلات المجتمعية ومشاريع "النقد مقابل العمل" في خلق فرص أعمال للعاطلين عن العمل.

ل- التعليم والثقافة المالية:
لم يعد دور البنوك محصورا في تقديم الخدمات المالية للعملاء، بل امتد إلى تنظيم حملات التثقيف المالي، والبرامج التعليمية، ودعم المشاريع البحثية التي أسهمت جميعها بشكل فعال في إقامة فعاليات جماهيرية ساهمت في تكوين مواطنين أكثر وعيًا وقدرة على اتخاذ قرارات مالية مستنيرة.


ثالثًا: الدور الاقتصادي للبنوك

أ- تنفيذ السياسة النقدية:
خلال الفترة الماضية شاركت البنوك بشكل فعال في تنفيذ السياسة النقدية وتمويل العجز في الموازنة العامة لتغطية النفقات والمشاريع الحكومية من خلال الاستثمار في أذونات الخزانة والصكوك، ومتطلبات الاحتياطي، وإدارة السيولة، وضبط عمليات ضخ الأموال للأسواق وفقا لتعليمات البنك المركزي.

ب- الإسهام في الاستدامة الاقتصادية:
في إطار الدور الاقتصادي للبنوك، عملت البنوك على تمويل المشاريع المعتمدة على الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والزراعة المستدامة.
وتجدر الإشارة بأن معدل النمو لتمويل قطاع الزراعة والصيد في مطلع العام 2015 بلغ ما نسبته 125% مقارنة بالعام 2008 وبمعدل نمو سنوي بلغ 9%.

ج- التخفيف من التضخم والركود:
ساهمت البنوك خلال فترة نشاطها بالتنسيق مع البنك المركزي في امتصاص فائض السيولة وتنظيم الدورة الاقتصادية عبر أدواتها المالية مثل أسعار الفائدة، مما أسهم في الحد من آثار التضخم والانكماش والحفاظ على قيمة الريال اليمني.

د- التجارة والاستثمار:
في إطار ممارسة مسؤوليتها الوطنية، عملت البنوك في تمويل العمليات التجارية داخلياً وخارجياً، وضمان تدفق السلع والخدمات من خلال الاعتمادات المستندية والضمانات البنكية، والالتزام بالمعايير الدولية لأنشطة التجارة الدولية والحفاظ على علاقات متميزة مع البنوك المراسلة، وذلك رغم الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدها البلد خلال العقدين الماضيين وشحة مصادر الأموال بالعملة الأجنبية لتمويل أنشطة الاستيراد على وجه الخصوص.

و- الإسهام في رأس المال الحقيقي في المجتمع:
أسهمت البنوك بشكل كبير في دعم رأس المال الحقيقي من خلال تجميع المدخرات واستثمارها في قطاعات إنتاجية وإنشائية خاصة بعد قيام ثورة ال26 من سبتمبر 1962، كما عملت البنوك على دعم المشاريع التنموية الموجهة من المانحين من خلال المشاركة في توفير قنوات مالية للتمويل والمنح التماثلية التي مكنت العديد من أصحاب رؤوس الأموال والمشاريع من إعادة دورة النشاط خاصة في فترات الأزمة.

الخاتمة
لقد أثبتت البنوك المحلية عبر الفترات الزمنية السابقة أنها ليست مجرد مؤسسات مالية، بل جهات فاعلة رئيسية في التحولات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات. وفي ظل التغيرات التكنولوجية والبيئية المتسارعة، تبقى البنوك شريكاً محورياً في صياغة مستقبل مستدام، شامل، وابتكاري على المستويين المحلي والعالمي.

* خبير مصرفي وتطوير للأعمال

جمعية البنوك اليمنية   جمعية البنوك اليمنية

رابط مختصر:
UP